الشرطة في حماية الإنسان

لا شك أن ما يحدث للشرطة المصرية من حرق مقراتها الأمنية في أنحاء البلاد وبشاعة ما حدث في كرداسة لرمز أمنها وأبنائه الذين كانوا شبه عزل وبشاعة ما حدث للجنود من أبنائها الذين كانوا مجردين من كل سلاح يجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة بعمق هذا البلد أمام دور الشرطة وفلسفة نظامها الأمني وآليتها بين الماضي والمستقبل للوقوف على ماهية الشرطة ورسالتها ، وضرورة النظرة الجديد الملحة تنبع من عمق المأساة التي تعرضت لها الشرطة فقد تم الزج بها في 25 يناير لقطع أواصر العلاقة بينها وبين الجمهور لكن هذه العلاقة عادت مع عودة الثقة للأمة ذاتها في 30 يونيو ، والسبب في هذا الزج تحطيم معنويات الشرطة وعدم التفكير في حقوقها المسلوبة من حقيقة دورها الأمني وماهيته قبل أي شيء آخر ، فالشرطة الآن وعلى مدى عقود متعددة كانت في خدمة الشعب أو خدمة المواطن ، وهو مفهوم يقف عند حد حماية جسد الإنسان وحده فكانت آلية الشرطة تقوم عندها على العصا وحدها مهما حاولنا تجميل هذه الصورة والتلميح إلى ضرورتها ، فالشرطة بهذه الصورة تفقد أهم عنصر وهو الإنسان على الرغم من أنه غايتها ، فالمفروض أن أقرب إنسان إلى المدنيين هو الشرطي وكان يُعد الرجل الثاني بعد الخليفة مباشرة في عهد مجد الأمويين والعباسيين وكان عمر بن الخطاب يقوم بنفسه بدورها في المدينة وأطرافها ، وكان الشرطي نائب الخليفة عند غيابه ، ومع كل هذه المكانة والتاريخ فالنتيجة هي التناقض ، وهذا التناقض في وجهة نظري موضوعي لتناقض الشرطة ذاتها في مفهومها ورسالتها وآليتها ، فالشرطي ليس مطلوبا منه حماية الإنسان الجسد وإنما يجب عليه حماية الإنسان بما هو إنسان من مكوناته التي تؤلف وجدانه وعقله النقي بكل منظوماتها وهمسها وصمتها وإبداعاتها لكون هذا الوجدان والعقل ذاتها ضرورة أمنية يمنعصاحبه وسواه عن الجريمة ، فالأمن ليس معاقبة المجرم وإنما هو التفتيش عن كل ما يصنع هذه الجريمة وبتره والسعي إلى كل ما يسمو بالإنسان من وعي واستنارة وفكر بكل آليات الفكر الواعي وبكل منظومته والمساعدة على وجوده وحمايته باعتباره ضرورة من ضرورات الأمن العام ، واكتشاف النوادي الواعية من جديد وبث الحركة الميتة في ربوعها وحماية ذلك كله وحينذاك تكون الشرطة في حماية الإنسان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق