الخميس، 15 أغسطس 2013

«الاخوان» يبحثون عن «شـرارة» لإشعال النيـران ويصطحبون الضحية معهم

«الاخوان» يبحثون عن «شـرارة» لإشعال النيـران ويصطحبون الضحية معهم
 رياض منصور
  للموعد الجديد العالمية  _متابعة _ ‏‎Khaled Qawasmeh‎‏
امضينا بالامس وقتا طويلا في متابعة ما يجري بمصر ولم نجد عبر البث الفضائي المباشر ولا من خلال التحديق في صور وكالات الانباء ما يفك لغز وجود الاطفال والنساء وذوي الاعاقات الخاصة في «رابعة العدوية والنهضة» رغم التحذيرات المتكررة للسلطات المصرية والجيش من استغلال الاسلاميين لاطفالهم في المواجهة السياسية التي يخوضونها مع مؤسسة الحكم.
ومشهد وجود الاطفال والنساء وذوي الاعاقات الخاصة برابعة العدوية والنهضة لم يصدمنا فقد صدمنا به العام الماضي في عمان عندما تكرر هذا المشهد في ساحة النخيل عندما اطلقت جماعة الاخوان المسلمين مسيرة أسمتها «الزحف المقدس» ووضعنا طيلة ذلك اليوم أيدينا على قلوبنا نسأل.. ماذا لو مات احدهم في غمرة التزاحم..؟ والاجابة كانت واضحة هنا فالجماعة كانت تبحث عن شرارة لاشعال النيران ما دامت تصطحب الضحية معها لتحمل الدولة مسؤولية أي كارثة ويبدو انها اعدت لذلك جيدا لكن العناية الالهية كانت اكبر بكثير من كل احلام المتربصين بنا.
نراقب المشهد المصري ونتألم فما حدث هناك بالامس تجاوز كل الحدود ومع ذلك لم يحصل الاخوان المسلمين على لقب «الضحية» لانهم من ارادوا وخططوا وسعوا للمواجهة مع السلطة واضعين النساء والاطفال وذوي الاعاقات الخاصة في مواجهة الجيش والعالم بأسره كان يراقب مشهد الاسلام السياسي وهو يقدم «الضحايا» من اجل بقاء بريقه لامعا في لعبة سياسية ماكرة باتت مكشوفة.
لا يمكن فهم حالة النسخة الاصلية للاخوان المسلمين في مصر والنسخ المنسوخة عنها في الاقطار العربية واصرار هذه الجماعة على تصميم الخريطة الهندسية للحكم وفق مقاساتها دون ادنى اعتبار للسواد الاعظم الذي يخالفها نهجا واسلوبا وممارسة وهي تدرك حق الادراك ان ما قامت به المؤسسة العسكرية ما هو الا حماية للديمقراطية التي حاول الرئيس المعزول محمد مرسي مصادرتها لخدمة مصالح الاخوان السياسية، فالديمقراطية وحدها هي التي تحمي الامن والاستقرار وتواجه الارهاب والتكفير والعنف لان للديمقراطية مخالب، ما يعني انها تملك الامكانيات التي تواجه فيها رموز الارهاب والعنف.
لقد كان بامكان الاخوان البحث عن اكثر من نافذة تطل على تسوية قضية الرئاسة المصرية غير انهم اغلقوا كل النوافذ واعتمدوا منهج اللجوء الى الشارع والعنف والعمليات المسلحة التي تشتد في سيناء وتستهدف مصالح المصريين الحيوية وحرس حدودهم علاوة عما تقوم به من عنف داخل المدن المصرية مما صعب على المؤسسة العسكرية التمسك بسياسة الاحتواء حفاظا على الامن الوطني وحياة المصريين.
كنا نفهم ونتفهم معنى مواقف الاخوان ونفهم حالة الهوس الاعلامي والخطابي التي تسيطر على قادتهم بحثا عن شعبية مفقودة، ولكن ما لا نستطيع فهمه حتى الان هو تجاوز هذه الجماعة لحدود وقواعد اللعبة السياسية بحثا عن شرارة تشعل النيران، وقد حصلت على ما تريده مع أول قطرة دماء أريقت بشكل مثـّل خروجا عن المألوف القانوني والسياسي والاجتماعي والاخلاقي ولا يمكن تسويقه كمؤشر على العمل الديمقراطي.
ألم كبير شعرنا به ونحن نسمع خطابات قادة الاخوان في مصر وهم يحثون على «الشهادة» على اختلاف الاسباب والطريقة مع أنها لم تأخذ في الواقع الا شكل الانتحار من أجل رحلة البحث عن نجومية تنقصها هالة الأئمة وسلطان القادة.
في مصر تمادى الاسلام السياسي اكثر مما يجب وفي الاردن تمادت جماعة الاخوان المسلمين باكثر مما يجب ايضا وفي الحالتين فكر ونهج وممارسة متشابهة فمن يدفع بالاطفال والنساء وذوي الاعاقات الخاصة الى صفوف المواجهة الاولى على الديمقراطية ان لا تأمن جانبه وعلى الدولة ايضا ان تمارس دورها الحقيقي في مواجهة اخطر العابثين بالامن والاستقرار المجتمعي.
اذن على الدولة ان تتخلى عن تمسكها بقواعد اللعبة الديمقراطية في ظل هذا التمادي وان لم تفعل ذلك بالسرعة القصوى فاننا سنقع ضحية الفتنة والتحريض التي تمارسها هذه الجماعة.
لم يصدمنا المشهد المصري بالامس لاننا على معرفة بخيوط اللعبة وتركيبتها ولكن ما صدمنا التحرك العاجل لاخوان الاردن وهم يمارسون سياسة التحريض للشعب الاردني للتحرك نحو السفارة المصرية في عمان والتجمهر امامها انتصارا لنسختهم الاصلية في القاهرة.
ان موضة الاعتصامات امام السفارات التي اوجدتها جماعة الاخوان المسلمين تضع الدولة في مواقف حرجة فهذه الاعتصامات في العرفين الدبلوماسي والسياسي تدخل في اطار التدخل بالشؤون الداخلية للدولة الاخرى وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا لاننا لا نحب لاحد التدخل في شؤوننا الاردنية وان ما تقوم به جماعة الاخوان هوعملية استغلال واسعة النطاق لنظرية الامن الناعم فما يجري من فوضى تحت شعارات عدة بات مقلقا ومرعبا ويمس بشكل مباشر امن كل اردني واردنية.
في هذه اللحظات نفتقد قيادات اسلامية حكيمة قادت جماعة الاخوان المسلمين لعدة عقود بحنكة واقتدار شاءت الاقدار ان يكونوا ضحية برامج واجندات جماعات متشددة داخل اطر القيادة اطاحت بهم واستولت على منابع القرار وكان نتاج هذا الانقلاب اخراج الجماعة عن قواعد اللعبة الديمقراطية والعبث بالإرث التاريخي مع مؤسسة الحكم وتهديد السلم المجتمعي.
نعبر عن قلقنا الدائم مما تشهده الساحة السياسية التي تزرعها بعض اطراف جماعة الاخوان بالالغام بعد ان نجحت في حرف الحركة الاسلامية عن مسارها الذي رسمته لها قياداتها التاريخية مما بات من الصعب على الدولة التمسك بسياسة الاحتواء التقليدية التي سمحت اصلا لهذه الحركة بالبقاء على قيد الحياة وفق تفاهمات حافظ عليها آباء هذه الحركة الى ان تم الانقلاب عليهم.
نفهم ونتفهم معادلة الحسابات الشخصية لجماعة الاخوان المسلمين ونفهم حالة الهوس الاعلامي والخطابي التي تسيطر على قادة التيار المتشدد بحثا عن شعبية مفقودة ولكن ما لا نستطيع فهمه حتى الان تجاوز هذه الجماعة لحدود وقواعد اللعبة السياسية وكسر ادبيات العلاقة التاريخية مع مؤسسة الحكم ويحزننا في الوقت ذاته تسارع التفسخ والانهيار الذي طال ويطال اقدم واعرق جماعة سياسية في البلاد بعد ان شهدت تفسخات غير مسبوقة وخلافات متصاعدة دخل فيها العامل الشخصي وعوامل اخرى.
ولان موقف القيادات التاريخية في الحركة الاسلامية لا يتفق مع اجندات التيار المتشدد جرى الانقلاب ليس فقط على القيادة في الجماعة وانما على الثوابت والإرث التاريخي واعترف بذلك قادة عدة عندما اقروا بانشغالهم بقضايا هامشية دون ان يلتفتوا لتيار التشدد الصغير وعمليات «التفريخ» في قواعد الجماعة.
وقد بات مطلوبا الان عودة النخب التاريخية في قيادة الاخوان والتخلص من الرموز المتشددة في الجماعة والحزب والعمل على فك العلاقة بين الجماعة والحزب لانقاذ ما يمكن انقاذه.
ان ما يفعله التيار المتشدد في الجماعة يهدد البلاد والعباد والدولة باتت مطالبة بالتدخل الفوري لان ترك الامور سيقود البلاد الى الفوضى فالوضع مقلق وحذر فوجوه الاخوان تغيرت واهدافهم استبدلت والفرصة متاحة امام الحكومة لاعادة طرح ورقة البعد القانوني في التنظيم الاخواني وهو امر سيجد ترحيبا لدى الرأي العام الذي بات خائفا وقلقا من سيناريوهات التيار المتشدد.
لسنا بموقع المحنة لكن ما يجري على الارض يدفعنا لطرح اسئلة كاشفة ودقيقة بعد ان اوصلت الجماعة مستويات تخاطبها مع الدولة إلى درجات متدنية لم تكن مألوفة او مسبوقة من قبل، مما خلق أزمة سياسية أصبحت الآن بموقع المحنة بعد أن عبثت هذه الجماعة بلغة التحاور وسلكت طريق الاتهامات المهددة لادبيات الحوار الوطني والسياسي الذي اعتاد عليه الأردنيون منذ نصف قرن تقريبا، وهي أدبيات كانت قائمة على فكرة بسيطة ومحورية قوامها احترام التيار الإسلامي لثوابت الدولة ومؤسساتها والاعتراف الرسمي بأن التيار الأخواني عنصر مهم من عناصر الاستقرار الأمني الداخلي والاجتماعي غير ان الجماعة ذهبت عمليا إلى أقصى مسافة مألوفة في الذاكرة ضد الدولة، وحتى الآن لا توجد إجابة واضحة ومباشرة عن السؤال التالي.. هل تشكل لغة التخاطب التي يتحدث بها قادة الجماعة العمق الإستراتيجي لها الآن؟. وإذا كانت الاجابة بنعم، فلماذا، وما هو الهدف؟. بطبيعة الحال لا أحد يعرف لماذا يحصل في الأردن الآن ما يحصل مع «الاخوان» ولكن الثابت ان الدولة قدمت كل خياراتها الممكنة لافساح المجال امام الجماعة لصناعة مستقبل الاردن الحديث.
هذا الوضع لا يقلق الحكومة فحسب بل يقلق ايضا احزابا وقوى وطنية موجودة في الساحة فلا يجوز استغلال «الربيع العربي» لتغييب هذه القوى فهناك قوى عديدة في الساحة السياسية الاردنية وليس جهة واحدة تدعي تمثيلها للشارع وتبالغ في حصتها ولا بد من القول ان ما ينتهجه التيار الاسلامي تجاوز كل الخطوط الحمراء وباتت نوايا هذا التيار واضحة في سعيه للسيطرة على السلطة لاعادة انتاج تجارب مصر وتونس وهي تجارب ماثلة للعيان حملت العاصمتين ما لا تقويان على حمله.
ان سياسة «الاستقواء والتذاكي» لا يمكن لها ان تكون سياسة ناجعة فسياسة الحركة الاسلامية يعرفها جيدا كل من يمارس العمل السياسي فنظرة «المؤامرة والاستهداف الممنهج» التي يتمسك بها الأخوان باتت بضاعة كاسدة ولا بد من القول ان امام التيار المعتدل في «الاخوان» فرصة تاريخية لتحرير الجماعة من خاطفيها عبر استخدام سياسة «تقليم الاظافر» الداخلية التي تعيد الجماعة الى رشدها ونهجها وارثها التاريخي وامام الدولة في المقابل فرصة ذهبية لإعادة هيبتها ومعاقبة كل من تطاول عليها.


 الدستور 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق