الأحد، 4 أغسطس 2013

رهانات النظام التربوي العراقي قبل وبعد 2003 أدارات المدارس نموذجا /ارشد سليم






بداية عندما نتناول الادارة المدرسية كموضوع للبحث فأننا لا نقف عند مدير المدرسة فقط لان الادارة المدرسية في حقيقتها جهاز متكامل من العاملين في المدرسة وخارجها من مؤسسات الدولة والمؤسسات الشعبوية الاجتماعية .

الادارة المدرسية ... ما الذي حصل ؟ وما الذي حصل بعد ذلك ؟ لست هنا بصدد استعراض مظالم بقدر ما اناقش بعض مظاهر الفعل السياسي والتربوي والاجتماعي الذي تأثرت به بنية الادارة المدرسية  . ومتابعة الخط البياني للخطاب التربوي داخل اطار زمني محدد .   يتفق الكثيرون من المختصين ان اشرس أزمتين على قطاع التعليم كانت في بداية التسعينات عندما انخفض الدخل الاجمالي وبالتالي انخفضت الموارد المخصصة للتعليم من ميزانية الحكومة الى 8% وانخفض الانفاق الحكومي على تعليم الطالب الواحد من 620 دولار الى 47 دولار وانخفضت رواتب المعلمين من 1000- 500 دولار / بالشهر الى 5 دولار/ بالشهر , وانخفاض عدد الطلاب وزيادة نسبة التسرب . عندها انتقل التعليم من منتج للمعرفة الى معطل وقاتل للمعرفة .  اما الازمة الاخرى التي ثقبت الرئة المتبقية للتعليم هي تحويل المدارس والجامعات والنقابات وباقي قطاعات التعليم الى مقرات حزبية وثكنات عسكرية يصنع فيها العنف بدل المعرفة . حيث اثقلت المناهج الدراسية بفكر القائد والثورة واقتطع جزء من الحصص الدراسية للاجتماعات الحزبية واجبار الادارة المدرسية على سلوك غير طبيعي وغير مشهود ومن امثلته اطلاق النار من مسدس في رفعة العلم يوم الخميس او اجبار الطلبة والمعلمين بالتصفيق كلما ذكر اسم الطاغية صدام في معرض حديث او كلمة . وفوق هذا وذاك فأن من شروط ادارة المدرسة وقتها ان يكون المدير على اقل تقدير عضو فرقة بحزب البعث الفاشي , لذلك تسابق على ادارة المدرسة كل ما هو رديء ممن كانوا اغلبهم غير مستقرين نفسيا واجتماعيا غير مؤهلين لأدارة هذا المشروع التربوي المصغر , وبذلك تحول مدير المدرسة الى مدير منظمة امنية حيث ان بعض ادارات المدارس وخصوصا الثانويات  ليس مرتبطة بحزب البعث فقط , بل اخذت دورا قمعيا اكبر بارتباطها بمديرية الامن سيئة الصيت , اما المعلمون ضحايا مغلوب على امرهم بين ضنك العيش والتسلط . كان فلم رعب سيقت فيه المقادير الى غير ما يجب ان تكون . حتى اكون منصفا كانت هناك بعض المحاولات الفردية بحدود ضيقة وبدافع انساني وطني مهني  في عمل مناخ شبه مستقر للمدرسة .. ومن رحم هذه الانقاض اطلق النظام البائد حملته الايمانية التعليمية المزيفة التي اريد بها ان توفر غطاءا اسلاميا لديكتاتورية هذا النظام وساديته وفشله في ادارة وقيادة الدولة طوال ثلاث عقود .. مثل هكذا نظام متهاوي عسكريا واقتصاديا , كان سقوطه متوقعا عند دخول اول دبابة لقوات الاحتلال الامريكي للعراق . وبدأت مرحلة جديدة وانزاحت تلك الطغمة المتسلطة على رقاب الناس وافترضنا ان هذا اليوم سيكون فيه الرذيل مهانا والشريف مقدما محترما .  (( لكن ما حصل بعد ذلك هو تتمة لدورة الخراب في الدولة العراقية))  كيف ذلك ؟  بعد انهيار نظام الطاغية صدام انهارت معه الدولة العراقية ومؤسساتها ومن ضمنها مؤسسة التعليم .. نحن بحاجة الان الى البدء من قيمة الصفر ووضع المراتب على يسار الصفر لا على اليمين , لذلك انبرت أقلام عراقية  عديدة في الكتابة والبحث حول النظام التربوي البديل في حرص منها على وضع أسس جديدة لتكوين النّاشئة وأجيال الحاضر والمستقبل بشكل يضمن لهم حقوقهم في الشغل والعيش الرغيد مع الكرامة والحرية المسئولة. لكن للأسف لم تتاح لهم الفرصة بتقديم الحلول , حيث سرعان ما سيطرت الاحزاب والمليشيات المسلحة على الشوارع والمدارس والمؤسسات المدنية وتسابقت على تحشيد الناس واستقطابها لأحزابها وميليشياتها كما لا نوعا ,, لذلك ملئت مؤسسات الدولة الجديدة ومنها المؤسسة التربوية بكوادر افرزتها الانتماءات الحزبية والعلاقات العشائرية وايضا ما يعرف بالجهادية (بأن فلان مجاهد وفلان متصدي) وبأسم المتضررين ابان النظام السابق  وعلى هذا الاساس وبدون كفاءه وخبرة وحتى سلوك مدني استلموا هؤلاء مسؤولية اقسام مؤسسات الدولة ومن ضمنها ادارات المدارس وغيبوا الكثير من الكفاءات والمخلصين واصحاب الخبرة .. ومن هنا بدأت الكارثة حيث عانت ادارة المدرسة من ازدواجية بالرؤية بين المقررات والضوابط القديمة وبين حالة التغيير .. ارتباك واضح على كل مستويات النظم الادارية : المناهج , المناسبات حقوق وواجبات .. كانت العودة سريعة الى النمط الاستبدادي والتسلطي كما يعبر عنه فريدريك تايلور : (هو الإحساس بتملك السلطة والانفراد بالبت في الأمور وإصدار القرارات بشؤون العمل بدون استشارة وعدم الاهتمام بقيمة الفرد واحترامه , والاهتمام بالمظهر دون الجوهر , واتخاذ الاجتماعات المدرسية مجالا للتحدث عن النفس وعدم اتاحة الفرصة لباقي العاملين بالمناقشة والحوار) . ونتيجة لهذه الخيارات السيئة مارس مدير المدرسة (البعض منهم) دورا سلبيا بسبب الانفلات الامني وضعف الدولة وتنامي سطوة المليشيات المسلحة والاحزاب المتنفذه ضُرب القانون عرض الحائط واصبحت بعض الادارات المدرسية الذي افرزها هذا الانفلات لا تمتثل الى ضوابط ومقررات المؤسسة التربوية وبذلك واجهت الادارة المدرسية تحديا وازمة من نوع اخر .  ان غياب المظاهر المسلحة وتقلصها على اقل تقدير وتراجع دور الاحزاب في السيطرة على المواقع الادارية المهمة كان له الاثر الجيد بظهور دلالات العافية بشكل مذهل . اذ بمرور العشر سنوات التي مضت استعادت الادارة المدرسية نصف عافيتها ولازلنا نطمح للنصف الاخر من العافية لتكتمل ادارة مدرسية ناضجة قادرة على انتاج المعرفة وبث الحياة والامل من جديد لعراق مشرق .  بعد كل ما سبق اعرض لكم انماط جاهزة للإدارة المدرسية لتكشف لكم اعزائي التربويين بأي نمط تدار اداراتكم الان ! واتمنى ان اكون موفقا بعرض كل المخاضات التي واجهتها الادارة على مر عقود من السنين .  والأنماط الإدارية هي : النمط السلطوي , النمط الترسلي , النمط التعاوني  أولاً :النمط السلطوي ( الاستبدادي ) (الديكتاتوري) : 1- الإحساس بتملك السلطة والانفراد بالبت في الأمور وإصدار القرارات بشؤون العمل بدون استشارة والحرفية في تنفيذ التعليمات والسيطرة على الجو المدرسي وعدم الاهتمام بقيمة الفرد واحترام رأيه " يمكنك الرجوع لنظرية الإدارة العلمية لفردريك تايلور" والنظرية البيروقراطية لماكس فيبر". 2- الغموض والتعالي من قبل مدير المدرسة. 3- الاهتمام بالمظهر دون الحقيقة والشكل دون الجوهر في سير الأعمال المدرسية . 4- اتخاذ الاجتماعات المدرسية مجالا للتحدث عن النفس ، وإصدار الأوامر والقرارات وعدم إتاحة الفرصة للعاملين بالمناقشة غلا للمقربين. 5- العلاقات السطحية والجافة بين المدرسة وأولياء الأمور والبيئة المحيطة والمجتمع المحلي وبين المدير في المدرسة. هذا النمط السلطوي يعتبر مرفوض إلا في الحالات الضرورية والقصوى لأنه يهدم شخصية العاملين ويعوق بناءها وتقدمها لأن العاملين مكلفين بتنفيذ التعليمات دون المشاركة في وضعها وهذا يؤدي على انعدام وحدة العمل الإنساني في المدرسة وهذا لا يليق مع التربية. ثانياً :النمط الترسلي (الفوضوي) : 1- الإيمان بمبدأ الحرية المفرطة وهذا يعني أنه لا توجد قيود وضوابط ومحاذير في العمل. 2- لا توجد فلسفة واضحة أو سياسة مرسومة يسير عليها العاملون في العمل وهذا يعني أن الحبل متروك على الغارب والعاملون يسيرون على ما يرونه مناسبا من وجه نظرهم.وعدم تحديد الواجبات والمسؤوليات لدى العاملين في المدرسة. 3- الاجتماعات المدرسية تتسم بالارتجال والتخبط وعدم التخطيط المسبق وكثرة المناقشات وضعف الفاعلية لأن قراراتها وتوصياتها غير ملزمة. 4- انعدام الدور القيادي والسيطرة على المرؤوسين سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر و هذا النمط يعمل على انعدام روح العمل الجماعي المشترك . لذلك هذا النمط لا يأخذ بعناصر الإدارة ومقوماتها وقواعدها وخصائصها ، ولذا ينحرف بعيدا عن الفكر الإداري المعاصر ، ويعوق الإدارة المدرسية في تحقيق غاياتها ويؤدي إلى الخلل والفوضى ولهذا يعتبر نمطا مرفوض تماما ، ويجب على أية مدرسة أن تبتعد عن استخدامه.   ثالثاً :النمط التعاوني (الانساني) : 1- الاهتمام بقيمة الفرد والعمل على إشباع الحاجات الإنسانية لدى العاملين ، فأساس العمل تقدير ظروف العاملين ومراعاتهم .  2- التعرف على حاجات وميول العاملين في المدرسة وقدراتهم واستعداداتهم وطاقاتهم لاستثمار أكبر قدر ممكن من هذه الطاقات وتوظيفها لما يخدم تحقيق الأهداف التعليمية للاستفادة من خبرات العاملين. للمدرسة وأنه جزء منها. 3- الأخذ بمبدأ المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات وتنفيذها ، بمعنى أن العاملين في المدرسة يعملون كمجموعة واحدة متماسكة بدلا من تعاملهم كأفراد ،لذا يشعر كل فرد بملكيته وأنه جزء منها. 4- تحديد المسؤوليات والواجبات ووضوح التعليمات وهذا يساعد على المسؤوليات المشتركة بين العاملين في المدرسة , و انعقاد الاجتماعات الدورية . رأي الفكر الإداري المعاصر في النمط التعاوني. 1- يراعي التوازن والتوفيق بين وجهات النظر بين العاملين في المدرسة في إطار توفير الاحترام الكافي لآراء من يختلفون معه في الرأي . 2- يهتم بذاتية الفرد ويوفر الفرص للعاملين في اتخاذ القرارات السليمة في حل المشكلات . 3- يساعد على التجديد والابتكار والبحث والدراسة , .يحدث التعاون و ينمي العلاقات الإنسانية الجيدة ويعمل على تبادل الخبرات المهنية.


 لذلك يعد هذا النمط من أفضل الأنماط استخداما في الإدارة لما فيه من الأخلاق الفاضلة والموضوعية في الرأي والجدية في العمل .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق