الاثنين، 8 يونيو 2015

ظاهرة مستشاري الدولة



ظاهرة مستشاري الدولة - 

جريدة الموعد الجديد العالمية 

وكالة أنباء البرقية التونسية الدولية 

 بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي

183251_102663179814579_3533224_n
سيظل أبناء الشعب المصري يراقبون باهتمام بالغ مسيرة الوطن السياسية وتحوله التاريخي نحو الديمقراطية .. وهم يشيرون إلى مواطن الخلل ، وينبهون إلى مواضع الخطر دون ملل أو كلل لعل وعسى أن تكون حكومة ما بعد ثورة 30 يونيو الشعبية أكثر ذكاء ، وحكمة ، وولاء من حكومات عهدي اللصوصية والظلم والفساد ، والرجعية والتخلف والاستبداد . في دولة تعاني عجزا حادا في الميزانية ، وشعب نصفه تحت خط الفقر .. أنهكته الأنظمة المتسلطة الجائرة ، وتجاهلته الحكومات المتعاقبة الفاسدة .. تفشت ظاهرة تعيين المستشارين في أجهزة الدولة منذ منتصف القرن الماضي من الأقرباء والأصدقاء والمحاسيب فأصبحت هذه الظاهرة أحد أبواب الفساد المنتشرة كالسرطان في كيان الدولة كله . تأتي أهمية وخطورة دور الخبراء والمستشارين في إصلاح الأنظمة أو إفسادها لأنهم الحلقة الأقرب من دوائر الحكم ، ولأنهم يمثلون الصوت الأكثر تأثيرا في مراكز صنع القرار .. فهم عرابوا الفتاوى والسياسات ، وترزية القوانين والقرارات ، ومصدر الهام القادة والحكام .. لذلك إن صلحت هذه البطانة صلح النظام بأكمله وإن فسدت فسد النظام كله بالتبعية . بالتفاف واضح وتحايل صريح على قانون سن المعاش تحت بند أهل الثقة ، أو أصحاب الخبرة ، أو ذوي الكفاءات الفذة ، أو التخصصات النادرة .. تبدأ عادة صيغة قرارات تعيين أهل الحظوة من المستشارين بعد بلوغ سن الإحالة إلى المعاش في الدوائر المختلفة في الدولة .. فيما تختم صيغة هذه القرارات في الغالب الأعم بكلمات من قبيل ( تكريما لتاريخه الطويل ، أو تقديرا لدوره العظيم ، أو اعترافا بعطائه الكبير ) ومن ثم تمهر هذه القرارات بتوقيع من امتلك القرار بغير حق في تعيين من لا يستحق !! .. لتبدأ بعد ذلك رحلة التكريم والعطايا ، والمنح والهدايا ، والمخصصات والمزايا فضلا عن البدلات ، والحوافز ، والمكافآت وغيرها من المسميات التي تضفي المشروعية القانونية لنهب أموال الرعية التي أشرف نصف تعدادها على الموت جوعا ولتذهب العدالة الاجتماعية ومن يؤمنون بها وينادون بتطبيقها إلى الجحيم . أكثر من 100 ألف مستشار في جميع التخصصات ينتشرون في جميع الوزارات والهيئات والمحافظات حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يتقاضون حوالي 20 مليار جنيه سنويا ويمثلون إحدى الظواهر الفجة للفساد الإداري الذي ينتشر كالسرطان في مؤسسات الدولة مما يمثل عبئا ثقيلا على كاهل الشعب ، وعجزا هائلا في الميزانية ، وتجاهلا مستفزا لقضية الشباب العاطلين عن العمل الذين تجاوز عددهم 12 مليون حسب إحصائيات ما قبل ثورة 25 يناير الشعبية الخالدة ، ويمثل أيضا عقبة كئودا في طريق التحول التاريخي المأمول سياسيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا . لكن في ظل انعدام الثقة ، وسياسة التعتيم السائدة ، وغياب المكاشفة ، والمصارحة ، والشفافية ، وعدم وجود قانون يسمح وينظم عملية تداول المعلومات الصحيحة والأرقام الدقيقة ، وعدم وجود مؤسسة رسمية واحدة مسئولة عن توفير وتقديم المعلومات والأرقام والإحصائيات الرسمية .. لذلك تضاربت الأرقام حيث يقال أن عدد المستشارين فاق 450 ألف مستشار .. حسب ما تؤكده تقديرات أخرى غير رسمية . لا يصح الحديث عن ظاهرة مستشاري الدولة كظاهرة فساد إداري دون إلقاء الضوء على الوجه الآخر لهذه الظاهرة ألا وهو الفساد المالي المتمثل في الأموال الطائلة المستقطعة من الميزانية العامة لبدلات وحوافز ومكافآت خبراء ومستشاري وكبار موظفي الدولة التي – كما يقول أحد الخبراء – تعادل أربعة أضعاف الأجور الأساسية لجميع موظفي الجهاز الإداري في الدولة الذين اقترب عددهم من سبعة ملايين موظف . لذلك يجب القضاء تماما وإلى الأبد على ظاهرة تعيين المستشارين من باب الوساطة والمحسوبيات ، ومنع إقرار المنح والبدلات والحوافز والمكافآت بناء على المحاباة والمجاملات .. على حساب المعايير الموضوعية للأداء العام السليم مثل الكفاءة ، والأمانة ، والصدق ، والإخلاص .. مما يرسخ اليأس في نفوس أبناء الوطن الواحد ، ويحبط الموظفين المثاليين ، ويخلق نوعا من عدم الانسجام العام بين كافة الموظفين .. فضلا عن أن نظام المنح والبدلات والحوافز والمكافآت بهذا الشكل .. يعد بلا أدنى شك تحايلا صريحا على الحد الأقصى للأجور .. في الوقت الذي يعاني فيه صغار موظفي الدولة من انخفاض حاد في الأجور يقابله ارتفاع صارخ في أسعار السلع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها .. وهو ما يتبعه بكل تأكيد انخفاض أكثر حدة في الأداء العام .. مما يؤدي بالتالي إلى تراجع معدلات الإنتاج . هذه المخالفات الجسيمة التي ترقى – بلا أدنى مبالغة – إلى درجة الجرائم .. ليست وضعا شاذا ، أو أمرا عابرا .. بل هى واقعا فريدا من نوعه ولا مثيل له بهذه الكيفية في العالم كله لذلك لابد من إعادة النظر في تعيين مستشاري الدولة بهذه الطريقة المستخفة بعقول الشعب ، والمتجنية على حقوقه المشروعة.. كما يجب ضبط وتقنين المنح والبدلات والحوافز والمكافآت .. كما يجب أيضا إعادة هيكلة أجور الموظفين – كما يقول أحد الخبراء – وفق معيار طبيعة الوظيفة ، وأعباء المعيشة العامة . الملاحظ هنا إننا نتكلم عن موظفي الدولة أصحاب الوظائف المستقرة والرواتب المضمونة أما إذا تكلمنا عن باقي شرائح المجتمع المطحونة فسنجد العجب العجاب بدأ بالعمال والفلاحين الذين أصبحوا كالأيتام على موائد اللئام ، مرورا بالعاطلين من شباب الخريجين والمتسربين من التعليم ، وصولا إلى سكان العشوائيات من الفقراء والمعدمين الذين يمثلون قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة كل هذه الفئات المهمشة مازالت تحلم بحياة كريمة بعد ثورتين شعبيتين ، وإسقاط نظامين ، وسجن رئيسين ، وإصدار دستورين .. من أجل العيش ، والحرية ، والكرامة الإنسانية ، والعدالة الاجتماعية ، وحماية الدولة المصرية ، والمحافظة على هويتها المدنية .. وختاما أتساءل : – ( 1 ) ألا يعتبر المال العام سحت وحرام في كل الأديان ؟ . ( 2 ) ألا تأباه النفس البشرية السوية حتى لو لم تكن على عقيدة سماوية ؟ ( 3 ) فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يسمح القانون إذا بالجمع بين وظيفتين ؟ . ( 4 ) ألا يعتبر الجمع بين وظيفتين فسادا ماليا صريحا وظلما اجتماعيا قبيحا ؟ . هذه عينة بسيطة من جملة أسئلة عديدة .. أطرحها على المسئولين في الدولة التي تعج بمشاكل عديدة مزمنة ، وتحتاج إلى تشريعات عاجلة حاسمة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي : – ( 1 ) قانون يضع معايير تحد من تعيين المستشارين . ( 2 ) قانون يحرم الجمع بين وظيفتين في وقت واحد . فهل من مستمع ؟ . وهل من مجيب ؟ .

هناك تعليق واحد: