الثلاثاء، 16 يوليو 2013

أم الدنيا.. حالة تجنن!!





بقلم : محمد أبو بطه   _ مصر      _ للموعد الجديد 


                 

     كلما تأملت الحالة المصرية  تختلط مشاعر الدهشة والإعجاب والإحباط والتفاؤل والتشاؤم ! هذه هي المشاعر الحقيقية التي تنتابني كلما فكرت في مصر منذ قيام ثورة يناير المجيدة 2011 وحتي الآن !.
    مشاعر متناقضة دائما كما هي المرحلة تتناقض دائما أيضا! حكام قبل الثورة  سجناء اليوم ! وحكام الأمس سجناء اليوم أيضا! فهل سيكون حكام اليوم سجناء الغد كذلك؟!.
    لقد أفرزت الثورة أفضل ما في الشعب المصري من مميزات كما أظهرت أسوأ  ما فيه من صفات البشرية أيضا!.
   هناك من يموت فداء للوطن ويوجد من يتفنن في استغلال الظروف لتحقيق أكبر المكاسب مهما كان الثمن حتي لو علي حساب استقرار الوطن!.
   وسط هذه الحالة التي تصيب العاقل بالحيرة والجنون أتأمل المشهد من خارجه ربما أفهم ما يحدث فيشفيني الله من الجنون والدهشة ، أو لا أفهم فأعيش اليوم مثل الأمس و الغد  القادم  حتما فإن لم أكن موجوداً ستكون أم الدنيا علي قيد الحياة!.
الأول:
            يقف في الميدان يهتف بالشرعية والقانون ! إني أملك الشرعية الدستورية فكيف تعزلوني بهذه الصورة ؟! أنا من حميت الثورة ! أنا من نجحت في الانتخابات الحرة النزيهة! أنا من اكتسحت كل الانتخابات! أنا من قهر الآخرين عبر الصناديق الحرة! أنا الشرعية ! أنا القانون!.
الثاني:
            الشرعية للميدان! رددناها معا في الثورة ! ألغينا بها شرعية نظام أسبق ! خلعنا بها رئيس طاغية! فأنا الشرعية الأبدية ! أنا الشعب ! أنا الوطن!.
الثالث:
             نعم أعلم أن ألأول له الشرعية الدستورية وهو من يؤيده القانون ! أعلم ذلك ولكنك مارست كل أنواع الإقصاء ومارست الاستبداد السياسي كما فعل الحزب الوطني المنحل سابقا! أخذت الفرصة ولم تنجح!.
كما أعلم أن العملية الديموقراطية تعطيك كل المبررات لتقول أنك الشرعية ولكنها لا تعطيك المسوغ لتقول إنك الشعب!.
     أما الثاني فلم يصبر علي التجربة الديموقراطية ! نعم لم يصبر ! ولكنه رأي الأول يحيد عن الطريق ! يفعل عكس ما وعد ! يفشل ويقود الوطن نحو الحرب الأهلية! يكرس سيطرته علي السلطة ومعه شرعية الصندوق فقط وليس معه غالبية الشعب!        نعم تعجل الثاني ولكنه ما كان يجب أن يقف مكتوف الأيدي وهو يري الأول يمارس أقصي درجات الاستبداد السياسي ! فلا يسمع إلا صوته ! لا يفعل إلا ما يريد!
الأول:
           لقد تآمرت كل القوي السياسية العلمانية ضد المشروع الإسلامي ! افتعلوا الأزمات ! حاربوا التغيير! تحالفوا مع أركان النظام السابق!.
الثاني:
            لا تمثل أنت المشروع الإسلامي ! ألا يكفيك أن الفصيل الثاني في التيار الديني عارضك وانضم إلينا؟! لو كنت تمثل المشروع الإسلامي الحقيقي ما عارضك ! ولكنه رآك تمارس أقصي درجات الإقصاء والانفراد بالسلطة وكأنك الحزب الوطني المنحل تماما ! فلم تختلف عنه كثيراً!.
الثالث :
              كان حلمي وحلم المصريين جميعا أنك تملك خبرة ثمانين عاما وعندك مشروع إسلامي حقيقي ولكنه لم يكن أكثر من أماني وأحلام ! لم يكن عندك برنامج حقيقي للنهضة ! لتكون أول احباطات الشارع المصري ! أنك لا تملك مشروعا أو برنامجا بالمعني الحقيقي ! كانت الصورة لديك مشوشة! تريد أن توهم المصريين أنك تملك – وحدك – حلم وحدة العالم الإسلامي ودولة الخلافة ! رغم أن دولة الخلافة نظام حكم وليست شيئا مقدساً! البديل العملي الآن منظمة التعاون الإسلامي التي لا تفعل شيئا حقيقيا للتعاون بين البلدان الإسلامية! فالدول الغنية لا تقيم مشروعات استراتيجية – ولو بأموال زكاة الأموال المستحقة عليهم – بالدول الفقيرة ! بل تعطيهم الفتات وتدعي أنها دول إسلامية! إنها دول ذات أغلبية إسلامية ولكنها ليست نظماً إسلامية! كنت أتمني أن أري نهضة حقيقية علي أيديكم ولكني صحوت علي كابوس اسمه تكريس السلطة بأيديكم وأيدي مؤيديكم ولو كانوا يهوداً!.
       نعم التيار العلماني يحاربك منذ اللحظة الأولي ولكنه أعلن ذلك منذ بدء الصراع السياسي ! أما التآمر فليس في السياسية شيء مستبعد ( فالغاية تبرر الوسيلة ) وأنتم من بدأ ذلك ! تخليتم عن الثورة والثوار ولجأتم إلي أحضان المجلس العسكري وتخليتم عن كل المعارضين للعسكر جريا وراء مصلحتكم أنتم وليس لمصلحة الوطن!.
      تخاذلتم عن الثوار عندما طلبوا منكم الانضمام إليهم وعدم الركون للمجلس العسكري لأنه قادته يدينون للرئيس المخلوع مبارك بالولاء! ولكنكم لم تسمعوا النداء ! كانت مصلحتكم تحرك خطواتكم فلماذا تلومون الثاني لأنه فعل مثلكم تماما؟!.

الأول:
            لقد تآمر الجميع ضدي وافتعلوا الأزمات حتي يشعر الشعب بالضياع وأن الخلاص يكون بالتخلص من الجماعة بكل مكوناتها الحاكمة الرئيس ومجلسي الشعب والشوري وأيضا مكتب الإرشاد  ! لقد قمتم بالشحن الإعلامي للشعب بالإشاعات المستمرة علي مدار عام كامل حتي عاش الشعب الإشاعات كأنها حقيقة ! أليس التآمر من الأعمال غير الديموقراطية؟!.
الثاني:
             إن السياسة فن إدارة المتغير وليست الثوابت كالعقيدة !
     والتآمر لتحقيق مصلحة الوطن من وجهة نظر حزب معين ليس بدعة ! أنتم تنظرون لأمريكا أنها أم الديموقراطية أليس كذلك؟!.
    لقد تآمر المرشح الجمهوري رونالد ريجان ضد الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر واتفق مع إيران الثورة العدو الأزلي لأمريكا حتي لا تفرج عن الرهائن المحتجزين لديها حتي يختار الشعب الأمريكي ريجان رئيسا لأمريكا ويسقط كارتر ! وتحقق له ما أراد ! ولم يتهم الشعب الأمريكي ريجان بالتآمر ضد أمريكا ! لأنها ببساطة لعبة السياسة! .
    كما تربص خصوم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون به حتي أوقعوه في فضيحة التصنت علي مناوئيه السياسيين حتي تم عزله من منصبة أوائل السبعينيات من القرن الماضي في القضية الشهيرة المعروفة بفضيحة ووترجيت! أما إنكم لا تعرفون ما هي السياسة فليس ذنبنا بل ذنبكم أنتم!.
الثالث:
            لقد حيرتموني كثيرا! الأول وجد نفسه عاجزا غير قادر علي مواجهة الأزمات سواء المفتعلة أو الحقيقية ولم يستمع لأي مطلب من مطالب المعارضة خاصة بعد الإعلان الدستوري المشئوم في 22 نوفمبر 2012 ولم يوافق علي تغيير رئيس الوزراء وتشبث به وكأنه يخرج لسانه لكل مطالب المعارضة ! ولم يعرف وقتها أن من بين قوي المعارضة من وقف بجانبه في انتخابات الرئاسة حتي لا يكون أول رئيس لمصر الثورة آخر رئيس وزراء للرئيس المخلوع! وليس اقتناعا به أو ببرنامجه !
    نعم كانت هناك مؤامرات لخلق حالة من عدم الرضا لدي الشارع المصري ولكن علي من يمارس السياسة ألا يستبعد أي شيء فإن فعل فهو يتسم بالغباء السياسي وكانت هذه ملحوظة بدرجة كبيرة في جماعة الإخوان والرئيس المعزول!.
الأول :
             لقد دبرتم انقلابا ثوريا وأخرجتم مسرحية من أقوي مسرحيات السياسة حتي أنها تفوقت علي مسرحية تنحي عبد الناصر في 9 يونيو 1967 عقب الهزيمة العسكرية النكراء من الجيش الإسرائيلي!.
     فقد حشدتم الجماهير لمدة ساعات فقط وليس لمدة أيام كما فعل الشعب في ثورة يناير المجيدة وكلفتم مخرجا سينمائيا بإخراج المسرحية من طائرات القوات المسلحة لتظهر المظاهرات كأنها الأكثر حشدا في التاريخ البشري فقد كان الإخراج أكثر من رائع وبالدرجة التي ترشحة لجائزة الأوسكار للتصوير والإخراج! لقد تفوقتم علي إعلام عبد الناصر عقب النكسة وإعلانه التنحي!.
     لقد تآمر الجميع علينا ! حسبنا الله ونعم الوكيل!.   
الثاني :
              لقد قلت الآن تآمر الجميع علينا ! إذن لقد فشلتم بجدارة وبشهادتكم أنتم الآن بتآمر الجميع عليكم ! فلماذا تريدون الاستمرار في حكم الجميع الذي لا يريدكم ؟!     هل تجبر إمرأة  علي العيش معك مكرهة؟ هل هذا من الشريعة الإسلامية؟ لو كانت العصمة بيدك ورفضت تطليقها فقد أعطاها الله أمراً لتتمكن من التحرر من ظلمك وجورك فقد منحها الإسلام الخلع ! فعندما تيأس من تطليقك لها كما تريد فستضطر لأن ترفع عليك قضية خلع وستخلعك!.
     هذا عن المرأة في الشريعة الإسلامية فما بالك بالشعب؟!
     أليس من حق الشعب أن يخلعك إذا رآك فاشلا في كل شيء حتي في فهم الشارع ومكوناته ومتطلباته؟!.
    أظن أننا مارسنا نوعا من حقوقنا المشروعة دينيا علي الأقل كالمرأة التي تخلع زوجها الذي لم تعد تطيق العيش معه مهما كانت الأسباب!.
    ولو كنا قمنا بمسرحية وأقنعنا الجماهير بالخروج بتلك الصورة وكلفنا مخرجا متميزا لإخراج المشهد التاريخي ونجحنا في ذلك فهذا يثبت فشلك أنت في إقناع الجماهير بمشروعك النهضوي ! فالبقاء لمن يفهم الجماهير ويستطيع تحريكها لأنها هي التي تدفع الثمن من دمها ومالها وحياتها!.
الثالث:
             نعم أيها المتصارعون فالبقاء لمن يستطيع إدارة الجماهير حتي لو بالإشاعات كما يقول الأول! فرضاء الجماهير شيء مهم لتنفيذ سياسات أي حزب سياسي في أي دولة تحت أي نظام و بدونه سيفشل الحاكم حتي لو كان نبياً!
فإذا وصل الأمر أن يتآمر الكل كما يقول الأول فقد قادته سياساته لهذا المصير الحتمي !.
     أما الانتظار لفترة الحكم القانونية كما يطالب الأول فهذا يمثل كارثة علي الوطن ! فليس من مصلحة الوطن استمرار حالة الانقسام أو التآمر لأكثر من ذلك!.
     نعم كنت أتمني أن نعيش التجربة الديموقراطية الأولي بعد الثورة كاملة ولكنها كانت ستكون كارثة من نواحي أخري!.
       نعم أكره الانقلابات بكل أنواعها العسكرية أو الثورية ولكن ما هو البديل في ظل سياسات فاشلة واستبداد سياسي وتعنت مع المعارضة ومطالبها؟!.
     لقد وصل الثاني الآن للحكم بعد انقلاب ثوري أو ثورة انقلابية وبعد عام فقط من التجربة الديموقراطية الأولي ! نعم تم تداول السلطة الآن وليس بعد أربع سنوات ! .
     لقد كان من المقدر أن يسقط النظام الحاكم الديموقراطي السابق في أول انتخابات برلمانية ولم يكن بمقدوره تحقيق الأغلبية التي حققها من قبل ولن يحققها بعد ذلك بعد تلك التجربة المريرة  ولكن الانقلاب الثوري عجل بالتداول ولكن ذلك أيضا من مصلحة الوطن لتقصير المسافة ولو بتلك الطريقة!.
     إن ضياع ثلاث سنوات أخري من عمر الوطن كان سيكلف الوطن الكثير في ظل عدم رضاء الأغلبية عن حكم الجماعة وأركان الدولة التابعين لها !.
كلمة أخيرة:
                       إن الصراع بين الأول والثاني ورؤية الثالث للأزمة أغفلت أمراً هاما !
    ألا وهو أن تبعية الرئيس المعزول محمد مرسي لجماعة الإخوان المسلمين ولمكتب الإرشاد كان يمثل من الخطورة علي الأمن المصري ! لأننا لم نصل بعد لديموقراطية أمريكا أو بريطانيا !
     فالرئيس هو القائد الأعلي للقوات المسلحة فلابد أن تصله التقارير الدورية من القوات المسلحة وبها كل المستجدات والمتغيرات والاستعدادات فلو كان الرئيس المعزول وطنيا وعلي درجة عالية من الوطنية وهذا ظننا به ! فليس من المستبعد أن تصل هذه التقارير السرية لمكتب الإرشاد عن طريق رجال الجماعة المنتشرين بكثرة حول الرئيس بدء من مدير مكتبه إلي مستشاريه ! ووصول هذه التقارير إلي مكتب الإرشاد يمثل الكارثة الحقيقية علي الأمن المصري لأنه سيجعل من القوات المسلحة المصرية كتابا مفتوحا أمام الأصدقاء والأعداء لتكون الكارثة الحقيقية أن نستيقظ والقوات الإسرائيلية علي مشارف القاهرة!.
    هذا عن القوات المسلحة والأمن الخارجي ولنا عدو يتربص بنا دائما ! فماذا عن وزارة الداخلية وتقاريرها الأمنية أيضا !.
    والكارثة الأقوي تقارير المخابرات العامة !.   
    لقد كنا في مأزق حقيقي لا يعلم مداه إلا الله لأن مكتب الإرشاد ليس مرسل من السماء وليسوا أنبياء ! بل هم بشر مثلنا تحركهم الأهواء والمصالح الشخصية ! منهم من هو علي درجة من الوطنية وأيضا منهم من يدين بالولاء للتنظيم أكثر من ولائه لمصر!.
    أستطيع أن أحمد الله علي كل شيء وأتمني ألا بقع الطرف الثاني في نفس أخطاء الطرف الأول وهو في السلطة و إلا سيكون الخلع طريقه وليس ذلك ببعيد !.
    اللهم احفظ مصرنا وشعبها لتظل أم الدنيا محيرة للعقول ومدهشة للبشرية لأنها تمثل ببساطة عبقرية الإنسانية بكل جنونها !.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق