السبت، 27 يوليو 2013

خيمة البرقية الرمضانية "اليوم19





مصطفـى العمراني_"مدير مكتب البرقية التونسية"
و الموعد الجديد العالمية _المغرب.

الليلة.. شرح قصيدة ارادة الحياة للشاعر ابو القاسم الشابي 

البيت الأول :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر
لاحظ عزيزيّ قوة الخطاب في هذا البيت الاستهلالي الذي يبدأ به الشاعر قصيدته فهو يستخدم اسلوب الشرط لكي ليربط الاصرار على الحياة والسعي لها بالاستجابة الأكيدة من القدر ، ولعل هذا يذكرنا بأن الله يحب عبده الذي يلح بالدعاء ويسعى بكل طاقته للعمل ، فكيف اذا اجتمعت هذه الارادة في شعب وليس فقط في فرد فان قوة العمل ستظهر جلية لتحرك الأمور لصالح هذهخ الشعوب التي أرادت حريتها وسعت بكل طاقاتها وقدراتها للعمل ، حينها فقط تحقق الشعوب حريتها ، ولا ننسى أن بلد الشاعر تونس في ذلك الوقت كانت تعاني من الاحتلال وهذا ما دفع شاعرنا لأن يستنهض الهمم بهذا الأبيات .

ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
ولا حظا عزيزي ّ ان الشاعر قصد بالليل ، والقيد : الاستعمار وظلمه الذي عانت منه تونس ، ولكن هذا الاستعمار لابد أن يزول ويختفي وينمحي اذا تحققت ارادة الشعوب التي لاتقهر، والتي لا يقف بوجهها شيء.

ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر
وهنا يؤكد الشاعر على معاني الارادة وأشكالها ، ومنها أن عشق الانسان لهذه الحياة واصراره على حقه بالحرية في هذه الدنيا ، ولقد قرن الشاعر بين حب الحياة والاصرار عليها بالبقاء في هذه الدنيا ومن لم يكن لديه هذا الشوق للحياة فاما سيتبخر أو يندثر يطمر ويختفي ، وكلا الكلمتين التبخر والاندثار تدلان على الفناء والانتهاء وهذا مصير من يتخلى عن حياته ولم يعطها الاهتمام الحقيقي ليقوم بواجبه نحوها وفيها .

كذلك قالت لي الكائنات وحدثني روحها المستتر
ويؤكد على صدق قوله بأن من خبره بذلك الكائنات التي تحيا معه وتراقب سير هذه الحياة ، بل لقد كان الحوار أيضا مع روح هذه الكائنات التي لا يراها أحد ولكن الشاعر وصله حديثها الذي يؤكد ما قاله الشاعر في البيت السابق .
ودمدت الريح بين الفجاج وفوق الجبال وتحت الشجر .

اذا ما طمحت الى غاية ركبت المنى وخلعت الحذر.
لاحظا عزيزيّ قوة الألفاظ الدالة على الصوت وتغير المكان ، فاستخدام كلمة دمدت تدل على شدة الريح وقوتها ، وهي تتحرك في كل مكان في الأماكن والطرقات الواسعة ثم تصعد فوق الجبال وتنزل تحت الشجر لتؤكد أن ما يسعى للغاية معينة ويكون لديه طموح وهدف في هذه الحياة عليه أن ينسى الخوف بل أن يخلعه بقوة عن نفسه ويتخذ المنى وسيلة ليصل بها الى أهدافه .

ومن لايحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
ولكن من لا يمكلك العزيمة والقوة التي تمكنه من الصعاب والمشقات والوصول للقمم والعلياء فمصيره معروف بأنه سيبقى طول الزمن مستكين للعيش بين الحفر ، وهيهات لمن لا يدرك الفرق بين تنفس هواء القمم النقي وهواء الحفر الملوث .

فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصدري رياح أخر .

وأطرقت أصغي لقصف الرعود وعزف الرياح ، ووقع المطر .
يندمج الشاعر انداماجا جميلا مع نفسه بعد أن يصل للحقائق التي ظهرت معه في الأبيات السابقة ، فنرى قوة الشباب واندفاعه تظهر بجمال تعبيره حين يقول عجت بقلبي دماء الشباب أي تحركت وعلى صوتها ، وبدأ كأن رياح قوية تخفق في صدرهخ قتصر أصواتا تحمس على المضي في هذه الحياة ، وبهدوء ينتقل الشاعر لحالة أخرى عندما ينتقل يصغي ويسمع لحركو وقوة صوت الرعد وجمال عزف الرياح ، وموسقيقة نزول المطر كأنها كلها تقول له انظر كيف نتحرك نحن في هذه الدنيا ونعمل ولنا تأثيرنا وأصواتنا فكن مثلنا ولا تستكن ولا تقبل بالظلم والاستعمار .
وقالت لي الأرض لما سألت : أيا أم هل تكرهين البشر ؟

أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر.

هو الكون حي ، يحب الحياة ويحتقر الميت ، مهما كبر .

فلا الأفق يحض ميت الطيور و لا النحل يلثم ميت الزهر .
وهنا يبدأ حوار آخر وهم مع الأرض التي تشبهها الشاعر بالأم فهي تحتوي جميع الناس كما تحتوي الأم أبنائها ، فيسأللها الشاعر عن مشاعرها تجاه البشر هل هي مشاعر كره . 

ونلاحظ الجمال الفني في اجابة الأرض فهي لم تجب بنعم أو لا ، ولكنها أعطت اجابة ليست من جنس السؤال وغير متوقعة حين قالت أنها تبارك وتشجع من يمتلك الطموح ومن يستهوي الاندفاع للمغامرات ويقتحم المخاطر ولا يهابها ، بلى ونجد في اجابتها من الحكمة البليغة حين تنتقل في اجابتها لفكرة أخرى عندما تقول أن الكون حي والحي يحب الحياة والذي يحب الحياة يكره الموت والمقصود بالموت هنا التخاذل والقعود عن العمل وعدم السعي بهذه الحياة ، وكأن الشاعر يعرض استدلال منطقي على لسان الأرض . 

وتأكيد آخر على محبة الأرض للناس المجدين ذكر الشاعر لحقيقة علمية بطريقة شعرية ، فالطائر عندما يموت يسقط الى الأرض ولا يبقى له مكانا في السماء ، وكذلك النحل لا يقبل الى على الزهرة النضرة الجميلة وليس على الزهرة الذابلة الميتة . 

وكذلك حال الانسان مع هذه أمه الأرض فهي تشجعه للعمل والسعي والدفاع عن نفسه وحقوقه ولكنها سترفض أن يتقاعس أو يركن لحاله و لا يسعى للتغير .

سألت الدجى : هل تعيد الحياة لما أذبلته ربيع العمر

فلم تتكلم شفاه الظلام ولم تترنم عذارى السحر
وهنا يطرح الشاعر تساؤله على الدجى وهو وقت تشتد فيه ظلمة الليل ، وهنا كناية عن الظلم والاستعمار .فهو يسأل هذا الوقت الذي يشتد به الظلم والاستعمار هل تعود الحياة لمن يفقدها ، فكان الصمت هو الجواب الذي ردت به شفاه الظلام وهنا كناية عن المستعمرين الذين لا يجدون جوابا أمام الحق ، وكذلك صمت الجمال المتمثل بعذارى السحر .

وقال لي الغاب في رقة محببة مثل خفق الوتر .

" يجيء الشتاء ، شتاء الضباب شتاء الثلوج ، شتاء المطر .

" ةوتبقى البذور التي حملت ذخيرة عمر جميل غبر.

معانقة وهي تحت الضباب وتحت الثلوج وتحت المدر . 

لطيف الحياة الذي لايمل وقلب الربيع الشذي الخضر .
ولكن رغم الصمت المطبق في الأبيات السابقة عن تسأؤل الشاعر من قبل شفاه الظلام وعذارى السحر ، الا أننا الغاب يتكفل بالاجابة عن تسأؤل الشاعر وتبادل الحوار معه برقة محببة الى النفس كالنغم الجميل الذي تصدره أوتار الآلآت الموسيقية . فيفول الغاب أن الشتاء يجيء وقصد هنا بالشتاء الاستعمار والظلم وما يكدر صفو حياة الانسان ، وكما يأتي مع الشتاء الضباب والثلوج والمطر يأتي مع الاستعمار الظلم وسلب الحريات وجميع أشكال القسوة التي تشبه في قسوتها برودة الشتاء القارص والحاد بمطره وثلوجه ، ولكن هناك بذور وهي أصل النبات والحياة تبقى مخبئة تحت الثلوج وتحت الطين وتحت الضباب تحمل في داخلها ما يبشر في الحياة وجمالها ولطفها ومبشرة بقدوم الربيع الأخضر. وكذلك حال الانسان فان طال الاستعمار وقمع الحريات وسلب الناس أوطانهم فان الناس ستبقى كالبذور يخزنون ويخبئون في دواخلهم الحياة وحبها وينتظرون الموعد الملائم لاخراج هذه الحياة .

ظمئت الى النور فوق الغصون ظمئت الى الظل تحت الشجر .

وما هو الا كخفق الجناح حتى نما شوقها وانتصر.

فصدعت الأرض من فوقها وأبصرت الكون عذب الصور.

وأعلن في الكون : أن الطموح لهيب الحياة ، وروح الظفر .

اذا ما طمحت للحياة النفوس فلا بد أن يستجيب القدر .
ولا عجب أن يشبه الشاعر انحباس البذور في الأرض والتي قلنا أنها دلالة على احباس حريات الناس بفعل الاستعمار بالانسان الظمىء ، فهذه البذور اشتاقت لمكانها الطبيعي وهي أن تكون ثمرات فوق أغصان الأشجار ، وأن تنبت تحت ظل الشجر ، فهي بذور متعددة الأنواع والأشكال وكلها هدفها واحد هو الخروج الى النور كما أن هدف الناس واحد مهما اختلفوا وهو الحرية .
وبعد هذا التصعيد العاطفي والانفعالي في القصيدة يأتي الخلاص وتتحرك الأشياء وبسرعة تشبه سرعة جناح الطير حين يخفق ينمو الشوق ويتحرك داخل الانسان والبذرة وينتصر على كل المعوقات ، فتقوم البذور بايجاد طريق لها الى سطح الأرض ، ولاحظا استخدام الشاعر كلمة صدعت التي تأتي على وزن فعّلت وهو وزن يدل على القوة والحركة ليدل به على حركة البذور ونموها ، حينها فقط أبصرت البذور جمال الكون ونوره ، وهذا هو حال الانسان الذي يسعى لحريته ويكافح من أجل تحقيق استقلال بلاده يندفع بكل طاقته ليحارب الاستعمار حتى تنتصر الحرية والحياة لأصحاب الأرض الحقيقين .
وكانت النتيجة اعلان في كل الكون أن الطموح هو محرك الهممم والذي يقود للنصر
ويعود الشاعر ليؤكد في نهاية القصيدة على أن من يريد الحياة ويسعى لها لا بد أن يستجيب له القدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق