الاثنين، 27 يوليو 2015

مصر لا تكرم رموزها

وكالة أنباء البرقية التونسية الدولية وجريدة الموعد الجديد العالمية
عبدالرحيم حشمت عسيري المحامي

مصر لا تكرم رموزها بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي

عاش الفنان العالمي عمر الشريف منذ نعومة أظافره إلى أن رحل إلى جوار خالقه ، حياة مترفة صاخبة ، حياة حافلة بالنجاح والشهرة والأضواء .. وكان يتمتع بحضور طاغي وكاريزما قوية ، وكان يتميز بوسامة وجاذبية خاصة ، وكانت لديه موهبة فنية فذة جعلته يبدأ حياته الفنية منذ مطلع شبابه في خمسينات القرن الماضي بأدوار البطولة المطلقة ، فتربع على عرش السينما المصرية ، وأصبح فتى شاشتها الأول ، وما لبث حتى قاده طموحه إلى العالمية ، وأصبح نجما ساطعا يحلق في سماء هوليود عاصمة السينما العالمية ، واحتكر الأدوار الأولى على مدى عشرات السنين قضاها كنجم مصري من طراز فريد ، وفنان عالمي لا يشق له غبار ، واحتل مقدمة الصفوف عن جدارة واقتدار ، فأمتع الجمهور ، وأبهر كبار النقاد والمخرجين ، وكرمه العالم كله من أقصاه إلى أقصاه ، وحصد العديد من الجوائز العالمية في كل مكان . لم ينقطع الفنان عمر الشريف وهو في قمة مجده ونجوميته عن مصر التي كانت تأخذ حيزا كبيرا من اهتمامه .. فقد كان رحمه الله مهموما دائما بقضايا بلاده الوطنية ، و متابعا جيدا لأخبارها السياسية ، كما كان يقدم في سبيلها كل ما يستطيعه بحب وهمة وإخلاص ووطنية .. إلى أن بدأت تنحسر عنه الأضواء الفنية شيئا فشيئا بحكم تقدمه في السن ومن ثم قيامه بأداء الأدوار الثانية خلال السنوات القليلة الماضية فعاد الفنان العالمي إلى أم الدنيا في تسعينات القرن الماضي .. عاد عمر الشريف إلى تراب أرض الوطن ليعيش وسط أبناء هذا الشعب الطيب الأصيل الذي – كما كان يقول الفنان الراحل الكبير – لم يرى مثيلا له في الشهامة والبساطة والكرم بين شعوب بلاد العالم كله الذي طافه من مشرقه إلى مغربه .. وليس أدل على حبه واعتزازه ببلاده من رفضه القاطع لجميع الجنسيات التي عرضت عليه تباعا ابتداء من الجنسية الأمريكية وانتهاء بجنسية آخر دولة أوروبية . الكثيرون منا لا يعرفون أن الفنان عمر الشريف كمواطن مصري أصيل .. قدم لهذا الوطن – الذي لم يكرمه حيا أو ميتا – خدمات جليلة في ظروف استثنائية بالغة الخطورة .. منها تكليفه من قبل الرئيس الراحل أنور السادات شخصيا بتوصيل رسالة " جس نبض " للإسرائيليين عن طريق وسطاء دوليين قبل زيارة السادات التاريخية لإسرائيل ، ثم وهذا هو الأهم كان للنجم عمر الشريف رحمه الله موقفا وطنيا مشرفا من ثورة 25 يناير 2011 م المجيدة التي انحاز فيها لإرادة الشعب منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة . وبالرغم مما تقدم فإن جميع مؤسسات الدولة – وعلى رأسها وزارة الثقافة – تجاهلت هذا الهرم الفني العملاق الذي يعتبر بلا أدنى مبالغة من أهم وأعظم الرواد المصريين في هذا العصر ، ويعد واحدا من أشهر رموز القوة الناعمة التي لا تقل أهمية عن القوة الصلبة التي ترتكز عليهما الدولة المصرية ، وتنطلق من خلالهما محلقة في السماء فاردة جناحيها على أرجاء الوطن العربي من الماء إلى الماء ، والمنطقة بأسرها ، بل والعالم كله . قد يقول البعض أن الدولة في حالة حرب لذا فهي مشغولة بما هو أكثر أهمية و أشد خطورة وهو قول مردود عليه بأن تكريمنا للرواد جزءا لا يتجزأ من حربنا على الإرهاب لكن أغلب الظن أن هناك علامة استفهام جعلت مؤسسات الدولة تقابل عطاء هذا الرمز الفني الكبير بالجحود والنكران هذا الفنان العالمي الذي لم يكن في حاجة إلى جاه أو أموال أو منصب أو وسام لكنه كان في أمس الحاجة إلى شيء أبسط من ذلك بكثير ربما كان في حاجة إلى أن توفد رئاسة الجمهورية مندوبا عنها ، أو أن تكلف وزارة الثقافة من يمثلها في زيارة هذا الفنان الكبير وهو طريح الفراش في مستشفى للطب النفسي ، لتخفيف آلامه ، ورفع معنوياته .. كنوع من الاحترام والتقدير والتكريم لمواطن مصري عظيم أفنى عمره كله سفيرا مخلصا لبلده ، ورسولا مشرفا لشعبه في جميع أصقاع الأرض .. بعدما ساءت حالته النفسية ، وقضى أيامه الأخيرة مضربا عن الطعام قبل أن توافيه المنية عن عمر يناهز الثالثة والثمانين بعد صراع مرير مع مرض الزهايمر في مستشفى بهمان للطب النفسي في منطقة حلوان لكن الأدهى والأمر أن مؤسسات الدولة لم تتدارك تقصيرها ، ولم تحاول تصحيح أخطائها .. فلم تودع الفنان الراحل في جنازة تليق بتاريخه الفني الطويل ، وعطائه الوطني الكبير .. حيث ظهرت جنازة الفنان العالمي – كما شاهدناها جميعا – جنازة بسيطة لشخصية عظيمة ، تمت بمشاركة شعبية هزيلة ، وحضور فني مهين ، وغياب رسمي مشين . لكن الجانب المشرق في هذه النهاية الحزينة يكمن في وفاة الراحل في العشرة الأواخر من شهر رمضان التي يعتق الله فيها عباده من النار إنها خاتمة حسنة لإنسان لطالما وصفه المقربون منه بأن كان رجلا طيبا جدا ، ومتواضعا للغاية ، محبا لبني جلدته ، وعاشقا لتراب بلده .. أظنه تكريما ربانيا ، وردا إلهيا على من قصروا معه وتجاهلوه ، ومن شككوا في إسلامه ، وطعنوا في ديانته فهنيئا له برحيله عن دنيا البشر في شهر كريم إلى رب أكرم . وختاما أقول لهذه الحكومة الميمونة التي جاءت إلى السلطة بعد ثورتي 25 يناير و 30 يونيو الشعبيتين الخالدتين : لماذا تعاملين الرموز الوطنية بهذا الجحود والتجاهل والنكران بلا أدنى حياء أو خجل أو اعتبار ؟ !! ، أيتها الحكومة إن لم تكن مصر بلد الرواد والمبدعين والفقراء والمعدمين .. فالشعب يريد أن يعرف مصر بلد " مين " ؟ ، وأنتي لصالح من تعملين ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق